مطعم “عجيب” بالرباط يعلم فنون الطبخ لمصابين بمتلازمة داون
في مطعم جمعية “أمسات” في الرباط.. الابتسامة مُعدية وتعتلي وجه العاملين فيه والمتعلمين، والكل يعمل بنشاط.
في الاستقبال، كانت السيدة خديجة الصباح، المسؤولة التربوية بالمطعم، وكلها فخر بهؤلاء الفتيان والفتيات، الذين تعتبرهم فلذة كبدها.
قالت السيدة خديجة في حديث مع سكاي نيوز عربية: “أنا سعيدة جدا بالاشتغال مع هؤلاء الشباب، وفخورة بالانتماء لهم”.
وبينما هي تحدثنا عن المطعم، لا تبرح عيناها الفتيانَ وهم منهمكون في إعداد أصناف وألوان مختلفة من المأكولات والحلويات.. تواكبهم، وتراقبهم ولا تبخل عليهم المُربية بتوجيهاتها وملاحظاتها، حتى ينجزوا عملهم على أكمل وجه.
واضعين القفازات ومرتدين الكمامات الطبية، يشتغل الفتية بتفان وصمت، ويركزون في عملهم، كما يفعل الطبيب الجراح في عملية معقدة.
وبينما يدلك أحدهم العجين لإعداد حلوى “الكوكيز”، تقوم زميلته بتحضير المقادير.. هكذا يشتغلون، يدا بيد، وفي انسجام تام، تحرص عليه السيدة خديجة والمربيات الأخريات، ثم يقوم الفتية بالحفاظ على نظافة أدوات المطبخ، وتحضير طعام شهي لا تشوبه أي نقائص، كأنما أبدعه طهاة محترفون.
المطعم كبير ويتسع لعشرات الطاولات، تزينه لوحات جميلة أبدعها أطفال آخرون في ورشات الرسم الخاصة بالجمعية. يأتي إلى هنا آباء وأقارب الأطفال المتدربين هنا، وكذلك مانحون ومهتمون، لتناول وجبة الغذاء تشجيعا لهؤلاء الفتية على الاستمرار في عملهم الجبار، أما ثمن الوجبة الكاملة، التي تشمل سلطة وطبقا رئيسيا ولُمجة، فلا يتجاوز 65 درهما (حوالي 7 دولارات).
وعندما تتصفح قائمة الأطباق التي يُقدمها هؤلاء الطباخون المغمورون، تجد نفسك على متن بساط للريح، تتجول في مطابخ العالم، من فرنسا، مرورا بإيطاليا، إلى أميركا اللاتينية، ثُم تعود لتحط الرحال بالمغرب للاستمتاع بـالطاجين والكُسكس بخضاراته السبعة الشهيرة، وما لذ وطاب من أطباقه التقليدية البسيطة.
يستمر التدريب هنا، بمطعم “أمسات” الذي رأى النور في العام 2010، زهاء السنتين.. حيث يتعلم المتدربون، ذكور وإناث، فنون الطبخ وبروتوكول استقبال الزبائن.
للالتحاق للعمل بالطبخ، يجب ألاّ يقل سنهم عن 17 سنة، فمن هنا ستكون انطلاقة عدد من الشباب للاندماج في سوق الشغل، وامتهان الطبخ حتى يتمكنوا من تحقيق دخل محترم.
هم الآن 40 متدربا، وحلمهم تعلم هذه الحرفة ومعها مجموعة من المبادئ والقيم؛ من بينها الاستقلالية، والعمل مع الآخرين في مجموعات، وكذا الاعتماد على الذات وتطوير المهارات.
وشهد المطعم قفزة مهمة، بعد توقيع جمعية “أمسات” المحتضنة للمطعم، لاتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي، بهدف تدريب 40 طالبا من الأطفال ذوي التثلث الصبغي و30 مؤطرا.
وجنى المطعم ثمار هذه الاتفاقية بعد أشهر قليلة من التوقيع عليها، ففي 2014، شارك متبارون من أبناء الجمعية بمسابقة دولية للطبخ، نظمت بمدينة بايول بفرنسا، وتوجت مشاركتهم بحصد الشاب رشيد السايحي، للجائزة الأولى، ما مكنه من قضاء فترة تدريب داخل مطعم القصر الرئاسي الفرنسي، والاطلاع على خبايا طبخ فرنسا المشهور، وقد سلمه الجائزة، الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
تأسست جمعية أمسات 1981، وتعنى باحتضان الأطفال المصابين بالتثلث الصبغي، وتوفر الجمعية فضاء متكاملا لهم، لصقل مواهبهم وتعلم أشياء تنفعهم وتجعلهم يخرجون من تحت جناح أسرهم.
وقال محمد منير، المربي المتخصص بالجمعية، في تصريح لسكاي نيوز عربية “إن الهدف من كل الورشات التي ننظمها لفائدة هؤلاء الأطفال هو اعطاؤهم مبادئ الحياة الأولية، كالاعتماد على أنفسهم في الاستيقاظ من النوم، وترتيب الفراش، وأخد المواصلات للتنقل إلى المركز”.
وأضاف المتحدث: “إلى متى سيعتني بهم آباءهم؟ يجب عليهم أن يكونوا مستقلين، وهذه هي مهمتنا”.
كما أكد محمد منير “أننا جميعا مختلفون، ويجب على المجتمع أن يحتوي كل الفئات كيفما كانت. لا يجب التمييز بين هؤلاء الأطفال والآخرين. بل يجب أن يدرسوا بنفس المدارس ويقوموا بنفس الأنشطة. والمراكز كهذا الذي نشتغل به يجب أن يكون فضاء تكميليا فقط، وليس مخصصا لأناس وضعهم المجتمع على الهامش”.
وواصل المتحدث كلامه قائلا: “كل واحد منا مختلف عن الآخر. فهل سنبني لكل واحد منا مدرسة خاصة به؟! يجب الأخذ بيد هؤلاء الأطفال وإدماجهم في الحياة، دون تمييز، ومواكبتهم وجعلهم يحسون أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، حتى نرتقي، وتنصهر كل الاختلافات في مجتمع يقبل الجميع في كنفه”.
وأضاف قائلا إن الجمعية تنظم أسفارا ورحلات لفائدة الأطفال، حتى تخرجهم من منطقة الراحة وتدفع بهم نحو تعلم مهارات جديدة وسقل ذكاءهم.
وحسب السيدة سارة الوردي المكلفة بالاتصال بالمركز، فإن عدد الأطفال المنخرطين يبلغ حوالي 300 طفل. ومن ضمن الأنشطة التي يقوم بها الأطفال المصابون بالتثلث الصبغي هنا بالمركز، ورشات للرسم والفنون التشكيلية، والرياضات، بالإضافة إلى ذلك يشتغل الأطفال بمشاتل، ليتعلموا البستنة والزراعة، والهدف هو إعطاؤهم فسحة للتعلم واستعمال تقنيات جديدة.
وقالت المتحدثة، إن جمعية “أمسات” تعتمد على مصادر متعددة للاستمرار وتمويل مشاريعها لفائدة المنخرطين، وقد أطلقت مؤخرا عملية تواصلية كبيرة، لجلب ممولين ورعاة، حيث يقوم هؤلاء بتبني عدد من الأطفال المعوزين داخل المؤسسة، وذلك عبر أداء واجباتهم والتكلف بهم ماديا. وقد بلغ عدد الرعاة حتى الآن حوالي 20 راعيا.
وعبرت السيدة الوردي عن أمانيها باستقطاب عدد أكبر من المانحين، حتى يتسنى للجمعية توفير المزيد من النشاطات لهؤلاء الأطفال وتجويد الخدمات الممنوحة لهم.