“طرق الأبواب”.. مبادرة رسمية لمواجهة الزيادة السكانية في مصر
هويدا، التي تقطن قرية الصعايدة بمحافظة الفيوم في صعيد مصر، تؤكد أنها تقوم بزيارات إلى المنازل وتطرق أبوابها منذ أشهر، حيث التقت نحو 600 حالة.
الأزمة الكبرى التي تواجه هويدا بحسب حديثها مع “سكاي نيوز عربية”، تكمن في كيفية إقناع السيدات أصحاب الموروث الاجتماعي بأن تنظيم الأسرة في صالحهن.
وتقول “المثقفة المجتمعية” أن توعية النساء لا تقتصر فقط على تنظيم الأسرة، إذ تمتد إلى التوعية الصحية والتعليم، بجانب أي شئ آخر تستطيع تقديمه للمنتفعة، وذلك للتقرب منها.
ونوهت هويدا أنها “في بداية تفشي وباء كورونا، كانت تكتفي بالتوعية عن طريق الهاتف، وكان حينها الحديث عن كيفية تطهير المنازل والحفاظ على الأولاد وما إلى ذلك، قبل العودة مرة أخرى لحملات طرق الأبواب”.
الزيادة أكبر من التوقعات
غير أن ما تنزعج منه هويدا دوما هو حديث “الحموات”، مؤكدة أنه لابد من التركيز معهن أكثر لأنهن يرغبن أن ينجب أبناؤهم عددا أكبر من الأطفال على اعتبار أنهم “العزوة والسند”، ولذلك تأخذ هؤلاء النسوة المساحة الأكبر من الإقناع.
هويدا واحدة من مئات المصريات اللاتي يعملن كـ”مثقفات مجتمعيات” في مشروع “2 كفاية” التابع لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر، ضمن جهود الدولة لمواجهة الزيادة السكانية المتسارعة.
وكانت تقديرات سابقة تشير إلى أن عدد سكان مصر سيصل إلى 94 مليونا في 2020، لكن هذا العدد خلال العام ذاته تجاوز 101، مما يظهر حجم التحديات الضخمة التي تفرضها الزيادة السكانية على القاهرة.
ويهدف مشروع الوزارة إلى الحد من الزيادة السكانية، وتعزيز مفهوم الأسرة الصغيرة، وتصحيح المفاهيم المجتمعية الخاطئة التي تدفع الأسرة إلى كثرة الإنجاب، مع الالتزام بمبدأ عام وهو حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، مع تأمين حقها في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة التي تمكنها من الوصول إلى العدد المرغوب من الأبناء.
أماكن نائية
تقول الدكتورة شيرين فتحي منسقة مشروع “2 كفاية”، إن اختيار المثقفات يتم عن طريق إعلان تنشره الجمعيات الأهلية التي يتعامل معها المشروع، ويتضمن الإعلان عددا من الشروط التي تتلخص في التعامل والاتصال الجيد مع الناس، بجانب القرب من المجتمع الذين يتواجدن فيه ومعرفتهن الجيدة بالسيدات.
وتابعت فتحي في حديثها مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن المختارات من السيدات يخضعن لبرنامج تدريبي مكثف من الوزارة من خلال عدد من الأطباء والوعاظ الدينين ومدربي للتنمية البشرية، للارتقاء بمهاراتهن المجتمعية.
ونوهت إلى أن “هناك عددا من السيدات يعملن في المشروع منذ بدايته وفي كل مراحله. نجحن من إقناع عدد كبير من الأخريات، وترجم ذلك بإقبال المنتفعات على عيادات (2 كفاية) المنتشرة في مختلف المحافظات”.
وأضافت المسؤولة عن عدد من المثقفات المجتمعيات، أن هناك مقياس أداء للمشرفات يخضعن له بشكل دوري لتقييمهن ومعرفة مدى نجاحهن في تحقيق المستهدف منهن.
4 مليون سيدة مستهدفة
يقول الدكتور عمرو عثمان مساعد وزير التضامن الاجتماعي، لموقع “سكاي نيوز عربية” إن المشروع بدأ تنفيذه مطلع عام 2019، واستهدفت خلاله الوزارة المحافظات الأكثر فقرا والأعلى في معدلات الإنجاب.
وأضاف أن المشروع في مرحلته الحالية يستهدف الوصول إلى مليون سيدة من خلال الزيارات المنزلية لهن عن طريق المثقفات المجتمعيات.
وتابع عثمان أن “الزيارات أدت إلى نتائج مبهرة، من بينها استجابة عدد كبير من النساء وتحويلهن لعيادات تنظيم الأسرة سواء الحكومية أو الخاصة بالمجتمع المدني، ووصل العدد إلى ما يقرب من 700 ألف سيدة”.
وأوضح مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي أن هناك 64 عيادة أهلية تم تشغيلها من قبل الوزارة، استوعبت حوالى 100 ألف سيدة ذهبن للعيادات للحصول على خدمات تنظيم الأسرة.
وعن الخطة المستقبلية لحملة “طرق الأبواب”، أشار عثمان إلى أن المستهدف هو الوصول إلى 4 مليون سيدة على مستوى 20 محافظة، بجانب الارتقاء بعدد العيادات من 64 إلى 400، وتقديم أنشطة ثقافية مختلفة تتحدث عن مفهوم الأسرة الصغيرة وآثار تنظيم الأسرة على الفرد والمجتمع، وكذلك استهداف الأزواج من خلال تلك الأنشطة.
شعبية طاغية للمثقفات
وأكدت الدكتورة ديزيريه لبيب مديرة مشروع حملة “2 كفاية” بوزارة التضامن الاجتماعي، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” أن الوزارة تقدم مجموعة من الخدمات لرفع مستوى المجتمع، مؤكدة أن “المثلث المرعب الذين يحذرون من يتكون من الجهل والفقر والمرض”.
وتابعت لبيب: “المشروع لم يكتف بالتفكير في رسائل أهمية تنظيم الأسرة فقط، لكننا نظرنا إلى المعتقدات المجتمعية الخاطئة الخاصة بكثرة الإنجاب، وكذلك المعتقدات الدينية التي انتشرت في وقت ما وحملت رسائل مغلوطة فيما يخص الإنجاب”.
وأكدت أن المثقفات يتم اختيارهن عن طريق الجمعية الأهلية من نفس البيئة المحيطة، وهو ما يكسر الحاجز النفسي خاصة عندما يتحدثن مع سيدات بسابق معرفة، بجانب حديثهن معهن بطريقتهن ولهجتهن.
وقالت إنه سيتم تنفيذ 15 مليون زيارة منزلية وأكثر من 10 آلاف ندوة و500 فاعلية، لنشر ثقافة تنظيم الأسرة، بجانب وصول عدد العيادات لـ400 عيادة وفق الخطة الإستراتيجية القومية للسكان 2021-2023، التي تم وضعها من قبل مجلس الوزراء.
المشروع الأهم استثماريا
الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان السابق وأستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بالقصر العيني، يؤكد أن مصر لن تنطلق وتتحقق شخصيتها الكامنة بوجهها الحقيقي “إلا إذا تحررت من عبء الزيادة السكانية التي تشل حركتها وتثقل خطاها”.
وقال إن ضبط النمو السكاني هو كلمة المستقبل، فـ”لا بد أن يكون شعارنا الاجتماعي الحياة الجيدة قبل الجديدة، وأن يكون لدينا التخطيط السكاني وتخطيط الأرض. هذا أول وأهم فصول التخطيط القومي”.
واعتبر حسن خلال حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن “تنظيم الأسرة هو المشروع الأكبر والأهم على المستوى الاستثماري، فإذا تبنته مصر سيحقق لها أعظم الفوائد”.
وأوضح أن كل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة يوفر لها 151.7 جنيه، بحسب بيانات دراسة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية عام 2020، مشيرا إلى أنه “عند وضع أهداف وأنشطة الإستراتيجية القومية للسكان والتنمية (2015-2030)، كان من المفترض أن يؤدي ذلك إلى وصول عدد السكان في مصر في 2020 إلى 94 مليون نسمة”.
لكن في الواقع، وصل العدد إلى 101 مليون نسمة في 3 أكتوبر 2020، وهذا يطلق جرس الإنذار بضرورة تضافر جهود الدولة، وأن تتبنى القيادة السياسية هذه القضية.
وأوضح المسؤول السابق أن الفترة بين 1986و1996 تعتبر الوحيدة التي أخذت فيها الدولة على عاتقها العمل على تخفيض معدل نمو السكان بشكل جاد، ونجحت في ذلك بالفعل.
وقال إن ذلك تم بسبب توافر 4 عناصر مجتمعة، هي: قوة واستقلال واستقرار الإطار المؤسسي المعني بملف السكان، والإرادة السياسية، والسياسة السكانية الشاملة بأهداف كمية محددة، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتقديم خدمات تنظيم الأسرة سواء من خلال العيادات الثابتة والمتحركة أو تدشين حملات التوعية.
وأضاف حسن مستندا إلى توقعات مكتب المرجع السكاني في الفترة بين 2018 إلى 2050، أن “عدد السكان في مصر سيزيد 69.5 مليون نسمة، وستكون سابع أعلى دولة في العالم تحقق زيادة سكانية في الفترة المذكورة، كما سيقفز ترتيب مصر على مستوى العالم من حيث عدد السكان من المركز الـ14 إلى الـ11”.