بين تجريف مليشيا الحوثي وصمت حكومة هادي.. الهوية اليمنية في مهب المليشيات

تواصل مليشيا الحوثي النهب والاستيلاء على أراضي وأملاك الدولة بما فيها المواقع المدرجة في قائمة التراث العالمي، وسط ذهول واستهجان ملايين اليمنيين، في واقعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، بينما يكشف مراقبون عن مساعي قيادات الصف الأول للاستيلاء على تلك المواقع، آخرها ما تعرض له حرم قصر “دار الحمد” وسط العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرتها.

في صبيحة الـ31 من أغسطس/ آب الماضي، استيقظ سكان صنعاء على فاجعة تاريخية حين اقتحمت عناصر حوثية مسلَّحة ترافقها أطقم عسكرية، حرم قصر دار الحمد بمديرية التحرير، المدرج ضمن قائمة التراث العالمي، والمُعلن بمرسوم حكومي في عهد حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، محمية طبيعية، باعتباره من الآثار التاريخية ومساحته التي تزيد عن (1300) لبنة، محمية طبيعية.

مليشيا الحوثي وهي إذ تقرر تحت قوة السلاح أن يصبح حرم القصر بمساحته الخضراء مرقداً أبدياً “لقتلاها”، أكدت بأنها “مشروع موت” لا حدود لخطره على الشعب وهويته، فيما بررت جريمتها بأخذها الموافقة المسبقة من أمين العاصمة “حمود عباد” -وفقا لرواية أفراد الشرطة السياحية-، قطع الشك حول مصداقية تلك الرواية تجاوز صمت “عباد” ليومه السابع، إلا أن موقع منصبه لا يعفيه عن واجبه في حماية ممتلكات الدولة.

وزير الثقافة في حكومة الحوثيين “عبدالله الكبسي”، هو الآخر التزم الصمت تجاه الجريمة ورفض ادانتها قبل أن يرفض التحرك لإيقافها وحماية أحد أهم ممتلكات وزارة يتربع عرشها، تعد هي وكل ما تملك مِلكا للشعب اليمني، والتفريط بها -وفقا للقانون- “خيانة” كفيلة بجرِّ رقبته إلى المشنقة.

رقعة الصمت إزاء الجريمة تتسع، ووزارة السياحة الخاضعة للحوثيين التي لا تقل مسؤوليتها عن غيرها، هي الأخرى سادها الصمت، باستثناء إدانة شخصية لوكيل الوزارة الدكتور مطهر تقي، هاجم فيها الحوثيين بشدة.

وأكد الوكيل تقي، في مقال له بعنوان “مقبرة دار الحمد”، أن “آخر تصرف سخيف ومستهجن من كافة المواطنين هو إقدام عدد من المتحوثين على دفن اثنين من الشهداء في بستان دار الحمد”.

وأوضح أنه تم إعلان القصر وحرمه “محمية ثقافية بقرار مجلس الوزراء باعتبار مبناه مبنى تقليديا للفن المعماري اليمني الجميل الذي اتخذته وزارة الثقافة (التي تمتلكه وتشرف عليه) منذ سنوات مركزا حرفيا لعدد من الحرف اليدوية التي تحاول الحفاظ عليها”.

وذكر تقي انه “سبق لوزارة الثقافة وكذلك وزارة السياحة وضع دراسات لتطوير مساحه تلك الأرض التي تقدر حاليا بألف وثلاثمائة لبنة -حسب وثائق الأرض الاصلية الموجودة لدى وزارة الثقافة”، مضيفا “ولعل أولئك المتحوثين لا يعرفون ماذا يعني محمية تراثية ولا يعرفون معنى متنفس للمواطنين أو حديقة للأطفال، فتلك أمور لا تدخل في قاموس علمهم وفهمهم”.

“تقي” وفي سياق مقاله كشف عن مسؤولية وزير الثقافة وأمين العاصمة بحماية الموقع.

واقترح تخصيص جزء من مساحة مقر الفرقة الاولى مدرع البالغة مساحته قرابة (50) ألف لبنة التي كان يتولى قيادتها علي محسن الأحمر قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، واحتلالها وإعلانها حديقة، أو أي من أراضي الأوقاف المناسبة لتخصيصها مقابر.

التراث والترويج

مصدر في صندوق التراث، اعتبر الصمت تجاه جريمة اقتحام حرم القصر وتحويله مقبرة ليس غريبا، بعد ان أصبح السواد الاعظم من الوزراء ووكلاء الوزارات والمحافظين وغير ذلك من المناصب الحكومية العليا والدنيا من ذات السلالة الحوثية، وتنفذ مشروعا واجندات محدودة. ولذلك لا غرابة ان صمتت وزارتا الثقافة والسياحة أو صندوقا “التراث، ومجلس الترويج السياحي”، أو غير ذلك.

وأكد أن تلك الجريمة ضمن مئات الجرائم الحوثية التي تطال المواقع التاريخية والأثرية والسياحية سواء بإهمالها وعدم صيانتها، أو الاستيلاء على مساحاتها، يتم تنفيذها بناءً على توجيهات مباشرة من زعيم المليشيا “عبدالملك الحوثي”.

همجية..

صحفيون وناشطون بدورهم دانوا العملية ووصفوها بالهمجية والانتقامية من كل ما هو مرتبط بهوية وتاريخ الشعب اليمني قبل ان تكون انتقاما من منجزاته.

ويؤكد الكاتب وعضو المكتب السياسي بحزب الشعب الديمقراطي ناجي بابكر، “ان اقتحام الحوثيين لبستان دار الحمد التاريخي المسجل في قائمة التراث مع سبق الاصرار والترصد وتحويله إلى مقبرة لهو دلالة على انهم وامثالهم من قياداتهم التي تقف خلفهم لا يريدون الحفاظ على اي شيء جميل، فهم اعداء الثورة والجمهورية والوحدة ودعاة موت لا دعاة حياة”.

وفي حين حمل المسؤولية الكاملة رئيس ما يسمي بالمجلس السياسي للحوثيين “مهدي المشاط”، والذراع العسكري للمليشيا “أبو علي الحاكم”، ومشرف امانة العاصمة “خالد المداني” وكذلك المشرف الاجتماعي بالامانة “إسماعيل الجرموزي”، اعتبر وزيري الثقافة والسياحة لدى الحوثيين شركاء بالجريمة إزاء صمتهم تجاه ممتلكات الدولة.

ويرى “بابكر” أن المسؤولية في الدفاع عن الآثار والمحميات الثقافية والاثرية لا تسقط عن وزيري الثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية الشرعية المتواجدة في العاصمة السعودية، الرياض، وأن على الوزيرين “مروان دماج، ومحمد القباطي”، تحديد موقفهما مما تتعرض له المحميات الثقافية والمدن التاريخية.

شريحة واسعة من الناشطين اليمنيين تتفق مع سابقيها في مسألة تجريف الهوية اليمنية، مشيرين إلى ان مساعي المليشيا الحوثية نحو محاولة طمس هوية الانسان اليمني طالت مدينة صنعاء القديمة وقلعة القاهرة الاثرية في حجة جراء ما الحقت بها الامطار الغزيرة من اضرار تسببت بانهيار عشرات المنازل التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين فضلا عن إدراجها ضمن قائمة التراث لدى منظمة “اليونسكو”.

وطالبوا الوزارتين بفتح ملف قضية دولية ضد المليشيا الحوثية ومحاسبتها على عدم صيانة المدن الاثرية والتاريخية والخروج من الصمت المعيب الذي ساد ارجاءهما.

قفص الاتهام

في السياق اتهم مراقبون مليشيا الحوثي بمساعي السطو على حرم القصر ومزاعم تحويلة “مقبرة” هي ذريعة للسطو عليه من قبل قياداتها وتقاسمه فيما بينها نظرا لمساحته الكبيرة التي تبلغ قرابة (1300) لبنة، أي ما يعادل أكثر من (600) قطعة أرض سكنية.

وازدادت عمليات السطو والبسط على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة في العاصمة صنعاء وضواحيها من قِبل قيادات المليشيا الحوثية منذ سيطرتها علي البلاد في سبتمبر / أيلول 2014م.

وارتفعت أسعار العقارات بنسبة 300 بالمئة خلال الخمس السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ثراء المليشيا الفاحش جراء فارق أسعار النفط والغاز والايرادات التي تستولي عليها وما تفرضه من جبايات واتاوات لم تستثن منها أحداً في مختلف مناطق سيطرتها.

يذكر أنه حتى اللحظة لم تخرج أي من وزارات الثقافة والسياحة في حكومتي المليشيا الحوثية الانقلابية والحكومة اليمنية الشرعية بأي بيان إدانة حتى اللحظة، في حادثة تضع جميعهم في “قفص الاتهام” حتى إثبات براءتهم.