مخطط الإخوان ضد التحالف العربي.. وكيف جندت ذلك لصالح مليشيا الحوثي
في إطار التقدمات العسكرية التي تحققها ميليشيا الحوثي في مأرب والجوف، نجحت الجماعة في السيطرة على مديرية الحزم عاصمة محافظة الجوف، بعد يوم واحد من إحكام سيطرتها على مديرية الغيل، في ظل انسحابات متسارعة لقوات الجيش الوطني التي انسحبت شرقاً .
الإعلام الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، سارع لتحميل التحالف العربي بقيادة السعودية، مسؤولية الانكسارات والانسحابات المتسارعة في صفوف الجيش الوطني، وذلك استباقاً لأي مواقف رسمية أو شبه رسمية تحمّل قيادة الجيش الموالية لجماعة الإخوان، مسؤولية هذه الخيانات المتمثلة بتسليم الأسلحة والمواقع للحوثيين، والانسحاب منها .
وعقب سقوط مديرية الحزم بيد الحوثيين، حمّل الإعلامي السعودي سامي العثمان، خلال تغريدة نشرها في “تويتر”، الفريق علي محسن الأحمر المسؤولية، متهماً إياه باختراق الشرعية لصالح قطر وتركيا .
وتساءل العثمان قائلاً: ألا يعلم العجوز المغيب عبد ربه منصور هادي أن الشرعية مخترقة من رأس الأفعى علي محسن الأحمر، والخونة أتباعه الذين باعوا الأرض والعرض لقطر وتركيا وإيران وعمان، فضلاً عن كونهم وراء الحوثي وتقدمه في محافظة الجوف! والله الزمن والتاريخ لن يرحمك! اترك الشرعية بعد أن تركتك !
سيطرة ميليشيا الحوثي على مركز محافظة الجوف، جاءت بعد تقدمات عسكرية حققتها المليشيا الانقلابية في محافظة مأرب، وكذا بعد حوالي شهر من سيطرتها الكاملة على مديرية نهم (شرقي صنعاء)، نهاية يناير الماضي، في إطار تفاهمات واتفاقيات بين جماعة الحوثي وجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما كشف عنه في وقت سابق، القيادي الحوثي محمد البخيتي.
التقدمات العسكرية التي حققتها جماعة الحوثي في الجبهات التي يسيطر على قيادتها حزب الإصلاح، جاءت في سياق التفاهمات بين الجماعتين، والتي مهدت لها الحملات التي قادها حزب الإصلاح عبر ناشطيه وقياداته داخل المستويات العليا للشرعية، والمطالبة بانسحاب دولة الإمارات العربية المتحدة، من اليمن .
بعد تزايد الدعوات التي رفعها حزب الإصلاح من داخل الشرعية، عبر عدد من القيادات المدنية والعسكرية، والمطالبة بطرد القوات الإماراتية المشاركة ضمن قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية، بدأت القوات الإماراتية، مطلع يوليو الماضي، بسحب قواتها من محافظة مأرب، عبر سحب قاعدتها العسكرية المتواجدة في مديرية صرواح، كما سحبت منظومة الدفاع الجوي الباتريوت، في حين حلت مكانها قوات سعودية.
بعد انسحاب القوات الإماراتية من مأرب، بدأ حزب الإصلاح بتسليم الجبهات التي يتولى قيادتها، للانقلابيين الحوثيين، حيث تقوم القيادات العسكرية بإطلاق أوامرها للأفراد بالانسحاب من المواقع، وتسليم السلاح للحوثيين، وهو الأمر الذي حصل في نهم ومناطق متفرقة من مأرب والجوف.
وقد ذهبت بعض القيادات العسكرية المحسوبة على الشرعية، لتبرير هذه الانسحابات، بالحديث عن اختراق الهاشميين لجيش الشرعية، إذ تم الحديث عن وجود خلايا نائمة في مديرية الغيل، تابعة للحوثيين، قامت بمهاجمة الجيش الوطني واستهدافه من الداخل، يقودها أحد أبناء الأسر الهاشمية، ويدعى خالد بن لعور الشريف.
مواقف حزب الإصلاح الأخيرة، والمتقاربة مع الحوثيين، والتي وصلت إلى حد الاتفاقيات والتفاهمات العسكرية، جاءت في إطار علاقات وسياسات حزب الإصلاح الخارجية والإقليمية، كجزء من منظومة متكاملة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والتي يحددها قادة التنظيم، أي أنها تنطلق من منطلق مصلحة الجماعة بعيداً عن التوجه الوطني. كما أن حزب الإصلاح في هذا الخصوص يقيم علاقات خارجية مع الدول والأنظمة، بما يخالف الدستور والقانون اليمني الذي يجرم إقامة الأشخاص أو الأحزاب علاقات مع دول أو أنظمة خارجية.
وتوجهات ومواقف حزب الإصلاح تحركها الأجندة القطرية والتركية، إذ إن الدولتين تعدان من أبرز الداعمين للتنظيم الدولي، حيث أصبحت تركيا هي المقر الرئيس للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وتحتضن قيادات الجماعة، بينما تقوم قطر باحتضان قيادات أخرى من التنظيم، وتقديم الدعم المالي والإعلامي، ورسم التوجهات السياسية للجماعة.
وقد عمل حزب الإصلاح على مشروع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والممول قطرياً، والهادف إلى تفتيت التحالف العربي من الداخل، بهدف إفشال دوره في اليمن. وقد بدأ الإصلاح بالتوجه لتنفيذ هذا المخطط عبر استهداف ومهاجمة الإمارات، وشن حملة تحريض ممنهجة ضدها، مقابل السكوت عن السعودية، وتصوير دور التحالف باعتباره مشاريع متعددة، وتصوير الدور السعودي باعتباره مختلفاً عن الدور الإماراتي.
البراجماتية الإخوانية ظهرت في المواقف المتناقضة لحزب الإصلاح من الإمارات، ودورها في اليمن، حيث إن مواقف الإصلاح من الإمارات قد شهدت مداً وجزراً في مختلف المراحل، وخصوصاً التي تلت الأزمة الخليجية منتصف 2017، والتي انسحبت على إثرها دولة قطر من التحالف العربي لاستعادة الشرعية.
ناشطو الحزب شنوا حملات تحريضية ضد دولة الإمارات التي وصفوها بأنها قوة احتلال، وقد أسهمت ترسانة الإخوان الإعلامية، وعلى رأسها قنوات “بلقيس” و”يمن شباب” و”سهيل”، في هذه الحملات التي تدار وتمول من قطر، وصولاً إلى مشاركة التلفزيون الرسمي الذي يسيطر عليه حزب الإصلاح، في هذه الحملات.
وقد تزامنت الحملات الإعلامية مع حملات حقوقية مشابهة تتهم الإمارات بفتح سجون سرية وتعذيب المعتلقين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتم إيكال هذه المهمة إلى الناشطة الإخوانية المقيمة في تركيا، توكل كرمان، كما تم دعم عدد من المنظمات الحقوقية التي أوكل إليها هذه المهمة، أبرزها منظمة سام.
الاستهداف الممنهج ضد الإمارات، لم ينحصر في الجوانب الإعلامية والحقوقية فقط، بل تعداها للجانب السياسي من خلال التصريحات المعادية التي أدلى بها رجال قطر داخل الشرعية اليمنية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية محمد الحضرمي، ووزير الداخلية المهندس أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، ومستشار رئيس الجمهورية نائب رئيس مجلس النواب عبدالعزيز جباري، وغيرهم.
لكن الإصلاح الذي يستهدف الإمارات بهذا الشكل، هو نفسه من أصدر بياناً صحفياً عبر فرعه في تعز، في أغسطس 2017، للدفاع عن الإمارات في مواجهة حملات الشيطنة التي شنها ناشطون محسوبون عليه، وصفهم البيان بأنهم أصوات نشاز وأقلام هابطة مسترزقة، حيث قال بيان الحزب إن “هناك أصواتاً نشازاً وأقلاماً هابطة ومسترزقة تحاول شق العصا بين الإصلاح والتحالف العربي، وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة التي سيكتب لها التاريخ دورها في عملية إسقاط الانقلاب والانتصار للشرعية”.
البيان أكد أيضاً أن “الجهات التي تحاول بث الأكاذيب ونشر الإشاعات، محاولة تصوير حالة من القطيعة والخلاف بين الإخوة في الإمارات والجيش والمقاومة في تعز، هي أجندة بائسة تقتات على الأكاذيب ونشر الكراهية”.
كما أن رئيس الهيئة العليا للإصلاح محمد عبدالله اليدومي، واجه حملات التخوين التي يشنها ناشطو حزبه ضد دولة الإمارات، بمنشور على صفحته في “فيسبوك”، قال فيها: إلى المصابين بقصْر النظر، والذين نخشى عليهم من عمى البصيرة، دول التحالف وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ـقادةً وشعوباًـ يسكبون على ثرى أرضنا دماً وليس ماءً… أفلا تعقلون؟!”.
وذهب الإصلاح في تعز أبعد من ذلك، حيث نظم مسيرة جماهيرة رفعت صور قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، على لافتات عملاقة تشيد بدور الإمارات وتشكرها، غير أن هذه المسيرة لم تسلم من مهاجمة ناشطين إصلاحيين موالين لقطر ومتواجدين خارج اليمن، وخصوصاً من أولئك الناشطين المقيمين في تركيا وقطر وماليزيا.
العداء بين إخوان اليمن ممثلين بحزب الإصلاح، والإمارات، تزايد مع اعتراضات القادة العسكريين الإماراتيين على آليات بناء الجيش، الذي تم بناؤه وفقاً لمعايير خاطئة أنتجت جيشاً حزبياً بأسماء وهمية، وصفه وزير الدفاع بأن 70% من قوامه أسماء وهمية موجودة في كشوفات الراتب فقط، كما تم إقصاء الضباط المحترفين والمتخصصين وأصحاب الشهادات العسكرية من الجيش، بتهمة انتمائهم للنظام السابق، حيث تم إقصاؤهم لصالح تعيين المدنيين، ومعظمهم من المدرسين، ومنحهم رتباً عسكرية، وفقاً لمعايير الولاءات الحزبية والشخصية.
بناء الجيش بهذه الطريقة تسبب بانزعاج الإماراتيين الذين طالبوا ببناء جيش منضبط خالٍ من الأسماء الوهمية، بحيث يتم بناؤه وفقاً للمعايير العسكرية المتعارف عليها، ويقوده عسكريون محترفون من الضباط السابقين الذين لم يقاتلوا في صف الحوثي، غير أن ذلك أزعج جماعة الإخوان التي ترى أن هذه الإجراءات في حال تمت ستقضي على أحلام الجماعة بالاستحواذ على المؤسسة العسكرية والأمنية.
الأزمة الخليجية التي اندلعت في منتصف 2017، هي الأخرى ضاعفت من حجم الفجوة في العلاقة بين الإمارات وحزب الإصلاح الذي اصطف معظم قياداته وأعضائه وناشطيه في صف قطر؛ الحليف الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين، حيث بات أعضاء حزب الإصلاح يهاجمون الإمارات ودورها في اليمن، بمناسبة وبدون مناسبة.
ويلاحظ أن تواجد القوات الإماراتية في جبهات مأرب والجوف، قبل انسحابها، قد أسهم إلى حد ما في تحصين هذه الجبهات -التي يسيطر عليها حزب الإصلاح- من الاختراقات التي يقوم بها الحوثيون للشرعية في الجانب العسكري، حيث إن العلاقة بين الحوثيين وجماعة الإخوان قد ظهرت للسطح في هذه الجبهات عقب انسحاب القوات الإماراتية، من خلال التصريحات الإعلامية لقيادات الجماعتين، وكذا في الانسحاب والتسليم الذي تم في نهم والجوف، حيث تم تسليم المواقع والسلاح للحوثيين، وفقاً لاتفاقيات وتفاهمات كشف عنها بصراحة القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي.
الاتفاقيات والتفاهمات بين الجماعتين برزت إلى السطح بشكل علني، مع الكشف عن وجود مكتب تنسيق إعلامي بينهما، بدعم وتمويل قطري، ويدار من صنعاء، حيث يهدف لتوحيد الخطاب الإعلامي للجماعتين في عدد من القضايا، أبرزها مهاجمة التحالف العربي -وخصوصاً الإمارات- ودوره في عدن والمهرة وسقطرى.
ويتكون فريق مكتب التنسيق من 3 ممثلين لكل طرف، حيث يمثل الحوثيين كل من عابد المهذري، مدير قناة “اللحظة” الفضائية التابعة للحوثيين والممولة من قطر، وأسامة ساري، وكيل وزارة الشباب في حكومة الانقلابيين، وأحمد الشريف، سكرتير تحرير صحيفة “26 سبتمبر” التي يصدرها الحوثيون، فيما يمثل حزب الإصلاح كل من سمير النمري، الصحفي في قناة “الجزيرة” القطرية، ومانع سليمان، الموظف في شعبة التوجيه المعنوي بمأرب، وجلال المسلمي، الصحفي في صحيفة وموقع “المصدر”.
وكانت القوات الإماراتية قامت قبل انسحابها بتدريب وتجهيز وحدات من الجيش اليمني لمباشرة مهامها القتالية بنفسها دون الاعتماد على القوات الإماراتية، وقد تمت هذه الخطوات وفقاً لما وصفها قادة عسكريون إماراتيون بالاستراتيجية غير المباشرة، حيث تم الإعلان عن تأسيس قوات عسكرية من 200 ألف يمني سيتم الاعتماد عليها في العمليات العسكرية، وتتواجد معظم هذه القوات في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي.
وخلال مشاركتها في حرب اليمن، شاركت القوات المسلحة الإماراتية بأكثر من 15 ألف جندي في 15 قوة، في مختلف مدن ومحافظات اليمن، وقد بلغ عدد القتلى الإماراتيين 108 عسكريين.